فقه الواقع من أهم مرتكزات السياسة الشرعية



فقه الواقع من أهم مرتكزات السياسة الشرعية



السياسة الشرعية بشكل عام وكما عرفها الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها": هي تدبير أمور الناس وشؤون دنياهم بشرائع الدين. وعرفها الدكتور أحمد الريسوني في كتابه "مقاصد المقاصد الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة": التدبير الأمثل للمصالح العامة، بما يحقق مقاصد الشريعة وما يتلاءم معهما. فإذا جمعنا بين هذين التعريفين نجد: أن السياسة الشرعية هي تدبير لأمور الناس لجلب المصالح ودرء المفاسد بما يوافق الشرع.
فهذه السياسة الشرعية لها أسس ومرتكزات كما ذكر الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه المذكور أعلاه، فوضع لها خمس مرتكزات مهمة وهي:
فقه النصوص في ضوء المقاصد
فقه الواقع
فقه الموازنات
فقه الأولويات
فقه التغيير
وقد اخترت الحديث عن فقه الواقع بما فيه من أهمية كبرى، ففقه الواقع لابد منه لكل فقيه أو مفتي، أو حتى رؤساء الجمعيات ومديري المدارس والآباء ولكل من له مسؤولية.
فعلى المفتي مثلا أن يعلم أن الحكم يمكن أن يتغير بتغير المصلحة وأعطي هنا مثالا ذكره الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه: في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله كانوا يميزون أهل الذمة بزي خاص لما في ذلك من المصلحة في عدم معاملتهم معاملة المسلمين خصوصا الصلاة على موتاهم ودفنهم في مقابر المسلمين، ولكن في عصرنا هذا الحكم لم يعد صالحا لأننا أصبحت لنا أدوات التمييز متطورة مثل البطاقة الوطنية، فهي تعرف بالشخص وبهويته.
وعلى المفتي كذلك أن يعرف أن الحكم أيضا يتغير بتغير العرف الذي بني عليه، ففي السابق مثلا كانوا لا يأخذون شهادة من يأكل في الشارع، فهذا الحكم لا يمكن تطبيقه في عصرنا الحالي لأن الأعراف تتغير حسب المكان والزمان، وأذكر مثالا آخر في عصرنا الحالي، ففي المشرق لا يقبلون فتوى لعالم يكشف رأسه لأنهم يعتبرون ذلك من خوارم المروءة، أما في المغرب فيقبلون فتوى لعالم يكشف رأسه لأن ذلك ليس من عرف بلدهم.
وما يقال في المفتي يقال في الباقي، ولتوضيح ذلك، فعلى مديري المؤسسات والجامعات أو الوزراء أن يضعوا مقررا يلائم ثقافة البلد وعرفه وأوضاعه، لأنه لا يمكن وضع مقرر أو نظام تعتمده دولة أخرى، لأن تلك الدولة وضعته حسب عرفها وأوضاعها، فأوضاعنا مختلفة على أوضاعهم، وبالتالي فلن يفيد إن وضعنا نظامهم وطبقناه في دولتنا، فّإن استمررنا على ذلك فلن يحل مشكل التعليم. وبالتالي فعليهم إعادة النظر في هذا الأمر.
وعلى الآباء كذلك أن لا يقارنوا جيلهم بجيل أبناءهم، لأن الوسائل اختلفت والأوضاع تغيرت، فيجب على الآباء أن يصاحبوا أبناءهم ويعيشوا معهم وليس من أجلهم وينصحونهم بحكمة وبنصيحة تلائم واقعهم وظرفيتهم. ونفس الأمر للأساتذة ورؤساء الجمعيات...
وكما نعلم أن بلدنا المغرب توجد فيه نسبة الشباب بشكل مرتفع جدا، فيجب على كل المسؤولين من وزراء وأساتذة ورؤساء الجمعيات والآباء... أن يضعوا برامج تضم رغبات الشباب وتشجيع مواهبهم وبناء أماكن يفرغون فيها طاقتهم وهوايتهم حسب واقعهم مع إرشادهم بحكمة. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..." وبالتالي فنحن مسؤولون إن أهملنا هذه الفئة – الشباب – التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: " نصرني الشباب وخذلني الشيوخ "، فالشباب لهم طاقات رائعة جدا لو استثمرت بشكل صحيح لكانت النتائج تفوق الخيال.

بقلم: الحرشي عبد الحميد

إرسال تعليق

0 تعليقات